كتاب السر وقانون الجذب، علم أم خرافات؟

كتاب السر وقانون الجذب، علم أم خرافات؟

إذا رغبت بشيء ما رغبة شديدة: الحصول على ثروة أو الشفاء من مرض أو النجاح أو سيارة جديدة، فما عليك إلا أن تركز

 جيداً وتتبع الوصفة التالية: 
أولاً عليك أن ترغب بهذا الشيء بشدة وتتخيله، أن تؤمن وتقتنع أنك ستحصل عليه، ومن ثم تستعد لاستقباله، و.. آبراكادابرا.. السيارة الجديدة التي تخيلتها أصبحت تحت نافذتك، ومرض السرطان اختفى تلقائياً، ونجحت نجاحاً باهراً في الامتحان !

قانون الجذب “Law of attraction” هو قانون غير فيزيائي، يعتمد عليه كتاب "السر The Secret" لكاتبته "روندا بايرن Rhonda Byrne" والذي ذاع صيته وطبعت منه أكثر من 22 مليون نسخة، ذلك الكتاب الذي ينتمي لما يدعى بـ"حركة العصر الجديد New Age"،
وهي عبارة عن حركة تحاول دمج العلم والروحانيات في عقائد عالمية شاملة، ويصنف ذلك الكتاب ضمن كتب المساعدة الذاتية التي توجه القراء إلى حل مشاكلهم الشخصية بوساطة التفكير الإيجابي وتسبب لهم حالة من الرضى في حياتهم، وكتاب " السر" يتعهد بتحويل الأحلام إلى حقيقة من خلال التفكير الإيجابي .
مبدئياً بإمكاننا أن نخبركم أن قانون الجذب قد نجح في "جذب" 330 مليون دولار هي مبيعات الجزء الأول من الكتاب والفيلم وحدهما، ولكن يبدو أنّ كتاباً واحداً لم يكفي لجعل الناس يحققون أحلامهم ولذلك فقد أصدرت "بايرن" جزئين آخرين من الكتاب لاحقاً.



يزعم "السر" بأنه يستند إلى أسس علمية وذلك بسبب استعارته لعددٍ من عبارات الفيزياء الكمومية، رغم أنّ كاتبته لم تتلقى أيّ شهادةٍ أو تعليم في أيّ من مجالات الفيزياء، ووفقاً لبايرن فإن "السر" يستند إلى فكرة من أفكار "العصر الجديد" تدعى بـ "قانون الجذب Law of Attraction" وهو ينص على أن الأشياء المتماثلة تجذب بعضها البعض، فالأفكار الإيجابية تجلب الأشياء الايجابية، والأفكار السلبية تجلب الأشياء السلبية، ما يعني بكل بساطة أننا إذا فكرنا بما نريد فسنحصل عليه.
ربما تعود هذه الفكرة إلى 391 قبل الميلاد حين اقترح أفلاطون فكرة مشابهة تتلخص في أنّ القوى الكونية تعمل على جعل الأمثال تتجاذب: فالحب يجذب الحب والبغض يجذب البغض. لو كان هذا المبدأ صحيحاً في الحالات الايجابية فيجب للطيبة أن تجذب الناس الطيبين، ولكنّنا نعرف أنّ الطيبة تجذب المستغلين! ولو كان صحيحاً في الحالات السلبية فيجب أن تجذب الأفكار الإجرامية عواقب سلبيّة لمن يحملها كالعقاب والسّجن، فهل ينال المجرمون عقابهم تلقائياً بدون بذل الجهود الجبارة من رجال القانون والشرطة؟



عدا أن سطحية ذلك المنطق فإنه في الفيزياء تتجاذب الأشياء المتضادة (المتعاكسة) فالموجب يجذب السالب، وأياً كان، فإنّ قانون الجذب البشريّ الخاص بالكتاب لا يمت للفيزياء والعلم بشيءٍ لعدّة أسباب:
لا ترقى هذه الفكرة لتكون فرضيّة علميّة لعدم قابليتها للقياس: فعندما يفترض العلماء فرضيةً جديدةً، عليهم أن يشرحوا كيفية عملها كي نستطيع تصميم تجارب تهدف للتحقّق من أنها تعمل حقاً، لكن "السر" دخل بمشاكل عميقة عندما حاول شرح الآلية التي يفترض أن يعمل بها قانون الجذب، وفقاً للشرح المفترض فإن أدمغتنا ترسل بطريقةٍ ما ذبذبات ما غير مقاسة، ويلتقط شيءٌ ما موجودٌ في مكانٍ ما في الكون تلك الذبذبات، ويفكّ شيفرتها ويستجيب لها بطريقةٍ ما.
فإذا قرّرنا اختبار هذه الفرضيّة اختباراً علمياً على عددٍ من المتطوعين المقتنعين بقانون الجذب، ثمّ وجدنا أنهم فشلوا في تحقيق رغباتهم بهذه الآلية، فهل هذا يعني أنّ الفرضية خاطئة؟ 
بالطبع لو كانت الفرضيّة علميّة لتمّ دحضها بهذه الطريقة التجريبة الواضحة، ولكنها وضِعت ككلّ فرضيات العلم الزائف بطريقةٍ لا تقبل الدحض، فهناك مهربٌ يستعمله من وضع الفرضية لتبرير فشلها بالتجربة، وهو أنّ المتطوع "لم يركز بشكلٍ كافٍ"، أو "لم يرغب بتحقيق أمنيته بالطريقة الصحيحة"، أو غيرها من الادعاءات غير القابلة للقياس، وهكذا فالتجربة لم تفشل وقانون الجذب لا يدحض أبداً مهما فشل!



إذاً دعونا نطرح السؤال التالي:
هل من المعقول أنّ من لديه طفلٌ مصابٌ بالسرطان "لم يرغب بشفائه رغبة كافية" ؟؟؟ أو لم يقضي كلّ ليلةٍ وهو يتخيله ينهض من سرير المشفى ليضحك ويلعب مع إخوته ثانية؟ 
هل من المعقول أنّ من قام بسحب ورقة يانصيبٍ وهو في أمسّ الحاجة للنقود "لم يتخيل فوزه بها بشكلٍ كافٍ" ؟؟ إذاً لماذا لا يشفى كلّ الأطفال من الأمراض بفضل رغبة أهلهم العميقة؟ ولماذا لا يربح كلّ من اشترى بطاقة يانصيب؟ هل لأنهم لم يقرؤوا هذا الكتاب؟ 
لو كان قانون الجذب يعمل، ألا يجب أن يربح جميع اللاعبين وينجح جميع الطلاب ويشفى جميع المرضى إذا كان كلّ ما يتطلبه الأمر هو الرغبة الصادقة والتفكير الايجابيّ والتخيل !!
هنالك مشاكل جدية أخرى مع ما يدعى بالأسس العلمية "للسر" فوفقاً للكتاب فإن كل شيء يحدث في حياتك، أنت الذي جذبته لحياتك عن طريق أفكارك... لكن هل هذا صحيح؟
وفقاً لقانون الجذب، فإنك إذا تعرضت لحادث، أو مرض ما، فإنه خطؤك، حيث أن أفكارك السلبية هي التي سببت ذلك. إذاً في حال حصول حادث لتحطم طائرة فهل هذا يعني بأن أحد أو بعض الركّاب هم الذين سببوا ذلك الحادث؟ ولكن ماذا عن أفكار الركّاب الآخرين؟ هل يمكن للأفكار السلبية لشخصٍ واحد أن تطغى على الأفكار الايجابية للآخرين، وبالتالي يهلك الجميع؟!



وماذا حين تتناقض الرغبات؟ حين يحضر عدة أشخاصٍ مقابلةً لوظيفةٍ ما، وجميعهم يرغب بهذه الوظيفة رغبةً شديدة، فإلى جانب من سوف تقف الذبذبات الكونية؟ هل إلى جانب من تخيل حصوله على الوظيفة أكثر؟ أم إلى جانب من يملك المؤهلات ويحقّق شروط الوظيفة؟
وفي هذا السّياق سنسأل كلّ من جرب واقتنع بقانون الجذب: هل شفيت من المرض بفضل السرّ وحده ومن غير طبابة ودواء؟ هل حصلت على منحةٍ دراسيّة من خلال التفكير الإيجابي ومن غير بذل المثابرة في الجهد والمراسلات؟ هل حصلت على السيارة التي رغبت بها من دون أن تنفق –أو ينفق من اشتراها- سعرها؟
الجواب هو: لا.. نعرف أنكم تعرفون أنّه لا يجب الاعتماد على الرغبات بدون مثابرة وعمل، وكتاب السرّ ليس كافياً لتحقيق الأماني من دون عمل واجتهاد، على سبيل المثال يعرض الموقع الالكتروني للكتاب أن هناك مصابين بالسّرطان قد شفيوا بفضل السرّ، ولكنّ هل هذا يعني أنهم اوقفوا علاجهم الطبيّ ليجرّبوا هذه الطريقة في الشفاء؟ بالطبع لا ولكنّهم قرروا أن يعتقدوا أنّ السرّ هو من شفاهم وليس الطب!



لنقم معاً بتجربةٍ لطيفة ونتمنى أن تخبرونا بنتيجتها:
جربوا تطبيق تعليمات السرّ على تجربة معقولة الاحتمالية، وهي أن تحصلوا على الرقم 6 برمي حجر الزهر 6 مراتٍ متتالية، ولنرى إن كان سوف يحدث أيّ انحرافٍ بنتيجة تركيزنا على الرقم 6! كرروا التجربة 10 مراتٍ مثلاً للتحقق من النتائج، هل "انجذب" الرقم 6 إلى حجر النرد؟ ركزوا وارغبوا واقتنعوا وتخيلوا أكثر، هل قامت "القوى الكونيّة" بجذب الرقم 6 ؟؟ أم أنّ النتيجة لا زالت توافق نظرية الاحتمالات العادية؟



هنالك عددٌ من الرسائل الإيجابية وسط كل ذلك الابتذال حيث أن النظرة المتفائلة للحياة بالطبع أفضل من النظرة المتشائمة، وكذلك فإن أفكارنا ومشاعرنا تؤثر على كيفية تفاعلنا مع تجارب الحياة، ولكن ذلك ليس بالسرّ وليس خفياً على أحد، وليس له أي علاقة بما يسمى "قانون الجذب"، فما يجذب النجاح هو العمل لا الرغبة.
ولكن ما هو سرّ جاذبية قانون الجذب؟
تكمن الجاذبية في أنّ التفكير الإيجابي بأن نصبح أنحف –مثلاً- هو أسهل بكثير من التزامنا بالحمية الغذائية والتمارين، والتفكير الإيجابي بالسيارة أسهل من كسب المال لشرائها، هو ببساطةٍ يقنع الناس بأنّ تغييراً بسيطاً في طريقة تفكيرهم سوف يحسّن من حياتنهم وينقذهم من مشاكلهم، ولو كانت كاتبة هذا الكتاب تملك فعلاً أسرار هذه الظاهرة الكونيّة المعجزة فلماذا لا تحكم العالم وتوقف الحروب وتنجح في كلّ مساعيها وتصبح مليونيرة؟ ولكنها أذكى من ذلك، فهي أصبحت فعلاً مليونيرة ولكن ليس بفضل التفكير الايجابي والتمني بل بفضل مثابرتها وتسويق عملها وبيعها ملايين النسخ من هذا الكتاب، بالجهد لا بالتمني.



إذاً يحق لنا أن نسأل: من أين عرفت "بايرن" هذه الأسرار الكونية الخطيرة؟
اعترفت بايرن بنفسها بأنها اصطنعت الكتاب من ترقيع مجموعة من الأفكار مع بعضها البعض ومنها الفيزياء الكمومية وروحانيات "العصر الجديد" والمفاهيم المنطقية الشائعة وذلك بعد قراءتها لكتابٍ ملهم يدعى "علم الوصول إلى الغِنى The Science of Getting Rich، والذي أهدتها إياه ابنتها عام 2004 أثناء مرورها بأزمة نفسية.
بعدها قررت "بايرن" بأنها عثرت على مفتاح الكون وألّفت كتاباً حول أفكارها، ولم تتكبد حتى عناء التحقق من الأخطاء المنطقية أو الحقائق العلمية .



والسر في نجاح الكتاب هو حملته التسويقية البارعة ودمج البديهيات الاعتيادية مع التفكير السحري "للعصر الجديد" وتقديمها على أنها المعرفة الخفِيَّة. وكتاب "السر" ليس بالشيء الجديد، كما أنه ليس بالسر حتى، فعلى مدى عقود قدمت كتب المساعدة الذاتية والعصر الجديد أجوبة سهلة لمشاكل الحياة.
ولكنّ الحقيقة تبقى قائمة، في أنّ المثابرة وحدها هي من تولّد النجاح، وأهدافنا في الحياة –إن لم نتابعها بالجدّ والاجتهاد- لن تعدو عن كونها أمنيات، والتفكير الإيجابي ليس مفيداً إلا إن دفع صاحبه إلى التفاعل الإيجابي مع مشكلاته، فإن اعتبرتم أنّ ما قدمه لكم الكتاب هو الإلهام والدافع لمزيد من العمل والاجتهاد فهنيئاً لكم، ولكن ارجوكم لا تذهبوا إلى الفحص مسلّحين بالتفكير الايجابي بدلاً من الدراسة، ولا توقفوا علاج مرضاكم وتستبدلوه بالأماني والرغبات، ولا تعتقدوا لحظة أنّ كتاباً بإمكانه أن يحقق الأماني ويحلّ مصاعب الحياة، فالنجاح تجذبونه بجهدكم وإصراركم، لا بالتمني.